- كتب: محمود فتحي
لم تعد معايير السبق الصحفي، ولا أخلاقيات النشر، هي ما يتحكم في المشهد الإعلامي الحالي. فقد اجتاحت التريندات الرقمية – القادمة من مواقع التواصل الاجتماعي – غرف الأخبار، وفرضت على الصحافة التقليدية واقعًا جديدًا: إما أن تواكب الموجة، أو تُدفن تحتها. فهل أصبحت الصحافة رهينة للهاشتاغات؟ وكيف غيّرت التريندات ملامح المهنة التي كانت تُعرف بـ”السلطة الرابعة”؟
التريندات لن تختفي، بل ستتطور، ويبقى التحدي أمام الصحافة التقليدية هو أن تُثبت أن المعلومة لا تكفي أن تكون شائعة لتُصبح خبرًا، فالمعركة اليوم ليست على عدد النقرات، بل على بقاء الحقيقة وسط زحام الهاشتاغات.
من يصنع الخبر اليوم؟
في الماضي، كانت المؤسسات الصحفية هي مصدر الخبر، لكن اليوم صارت “التريندات” على تويتر، تيك توك، أو إنستغرام هي التي تفرض أجندة النشر، ووفقًا لدراسة نشرتها Reuters Institute بجامعة أكسفورد، فإن 55% من الصحفيين في العالم يغيرون أولويات تغطيتهم تبعًا لما يتصدر “التريند”.
التريندات… إعلام بلا تحقق
الخطورة لا تكمن في سرعة انتشار التريند، بل في مدى اعتماده كمصدر دون تحقق. في كثير من الأحيان، تتصدر إشاعة أو مقطع مُفبرك الصفحات الأولى قبل أن يتم نفيه لاحقًا.
هذا ما تؤكده دراسة Pew Research Center، التي كشفت أن 64% من المستخدمين لا يثقون بالمحتوى الإخباري القادم من وسائل التواصل.
التأثيرات على الصحافة التقليدية
تآكل المهنية.. اضطر عدد من المؤسسات الصحفية إلى تغيير سياساتها التحريرية لتواكب التريندات، على حساب التحليل العميق والتغطية المتخصصة.
تنافسية غير عادلة.. منصات مثل “إنستغرام” أو “تيك توك” باتت تجذب الجمهور أسرع من تقارير طويلة في الصحف اليومية.
أزمات مالية.. مع تحول الإعلانات نحو المحتوى التفاعلي والتريندي، عانت الصحف المطبوعة من انخفاض حاد في العوائد.
كيف تتعامل الصحافة المهنية مع التريند؟
بعض المؤسسات العريقة مثل BBC وThe Guardian بدأت في استخدام التريند كمؤشر، دون أن تخضع له، إذ يتم تحليل التريند، وتوظيفه لبناء تقارير معمّقة توضح خلفيته وتفكيك محتواه.
فعندما انتشر تريند “الكائن الفلاني في المحكمة” على تيك توك، نشرت BBC تقريرًا يشرح أبعاد الظاهرة قانونيًا واجتماعيًا، بدلاً من إعادة نشر المقاطع الساخرة فقط.
ما هو مستقبل الصحافة وسط سطوة التريند
يرى الإعلامي Charlie Beckett، مؤسس برنامج “صحافة المستقبل” في LSE، أن الحل يكمن في الدمج بين الحس الصحفي وأدوات العصر الرقمي، دون التضحية بالمعايير الأخلاقية: “إذا تجاهلنا التريند خسرنا الجمهور، وإذا خضعنا له خسرنا مهنيتنا.. المعادلة الحقيقية هي أن نقوده لا أن يقودنا”.
مشاركة علي
إرسال التعليق