كتب: أحمد طنطاوي
لم يعد المعلم، هو ذاك الرجل الوقور الذي يشرح من خلف مكتب، بينما الطلاب ينصتون بصمت لا ينكسر إلا بصوت جرس الحصة، تغير المشهد، ودخلت التكنولوجيا على خط التعليم بقوة، وبدأت تظهر موجة جديدة “ترندات المدرسين”.
فجأة، أصبحت مقاطع الفيديو التعليمية تملأ تطبيقات مثل تيك توك ويوتيوب وفيسبوك، وراح المعلمون يتسابقون في تقديم المحتوى بأساليب مبتكرة، تراوحت بين الفكاهة والدراما والإبداع البصري.
البعض صفق لهذه النقلة، والبعض الآخر عبّر عن قلقه على صورة المعلم وهيبته. وبين هذا وذاك، وقف معلم يؤمن أن التعليم ليس مجرد كتاب وسبورة، بل تواصل وفهم وذكاء اجتماعي.
محاولة للتجديد وليس تريند
الأستاذ عبد الفتاح إبراهيم، مدرس لغة عربية، خاض هذه التجربة بنفسه، لم يكن هدفه الشهرة، ولم تكن وسيلته الاستعراض، كل ما فعله أنه اقترب من طلابه، بلغة يفهمونها، وأسلوب يتماشى مع واقعهم، فكان النجاح حليفه، وأصبح حديث الكثيرين.
“ما أقدمه ليس ترندًا، بل محاولة للتجديد”، هكذا بدأ حديثه، يؤمن عبد الفتاح، أن الطالب اليوم يعيش في عالم رقمي بالكامل، ويتفاعل بشكل أكبر مع ما يُقدَّم له من خلال الشاشات، فلماذا لا نستغل هذه الوسيلة لإيصال المعلومة بشكل مبسط وجذاب؟
خيط رفيع بين التقرب من الطلاب وفقدان الهيبة
لكن الأمر لا يخلو من التحديات، ليوضح: “هناك خيط رفيع بين التقرب من الطلاب وفقدان الهيبة، أنا دائمًا أحرص على احترام المسافة التي تحفظ مكانة المعلم، حتى لو قدّمت المحتوى بطريقة مرنة.”
وعن نظرة المجتمع، يقول إن الرفض كان هو الاستقبال الأولي، فالصورة الذهنية للمعلم لا تحتمل، في رأي البعض، أن يظهر ضاحكًا أو خفيف الظل على منصات التواصل، لكن النظرة تغيّرت شيئًا فشيئًا، بعدما لاحظ الناس أن الهدف الحقيقي هو تسهيل الفهم وتقريب المعلومة.
المشكلة، كما يراها، ليست في الوسيلة، بل في النية، فالمعلم الذي يستخدم التكنولوجيا لنقل المعرفة، حتى لو بأسلوب ساخر أو تمثيلي، يبقى في حدود رسالته، أما من يلهث وراء التفاعل والمشاهدات فقط، فغالبًا ما ينزلق في طريق الاستعراض الذي لا يخدم التعليم.
ويضيف: “لاحظت أن بعض الطلاب باتوا يركّزون على شكل تقديم المحتوى أكثر من المعلومة نفسها، وهنا يأتي دور المعلم الواعي الذي يوازن بين الأسلوب والمضمون”.
رقابة معتدلة من المؤسسات التعليمية
ورغم الإيجابيات، يشدد عبد الفتاح، على أهمية وجود رقابة معتدلة من المؤسسات التعليمية، لا تهدف إلى القمع، بل إلى التوجيه. ويقترح إقامة ورش تدريبية للمعلمين حول الاستخدام التربوي للتكنولوجيا، مع وضع ميثاق سلوكي يُرشد لا يُقيد.
وعن سؤاله بشأن العقوبات، أجاب بحسم: “أنا مع المحاسبة، لكن لا بد أن تسبقها توعية. بعض المعلمين قد يخطئون عن حسن نية.”
واختتم برسالة للجيل الجديد من المعلمين: “كونوا طبيعيين، لا تبحثوا عن الترند، بل ابحثوا عن الأثر، التعليم رسالة، والطالب يميز جيدًا بين من يريد أن يفيده ومن يبحث فقط عن الإعجابات.”
مشاركة علي
إرسال التعليق