حاوره أحمد طنطاوي:
أصبح إفطار المطرية الجماعي واحدًا من أشهر وأجمل العادات الرمضانية؛ إذ لا يقتصر الحدث على تناول الطعام والشراب فقط، بل يتجسد فيه دفء القلوب وكرم النفس ولمّة الأحباب، وهو تجربة تروي قصة الحب والكرم ولمّة الناس.
ومن أجل فهم كواليس هذا الإفطار، والصعوبات التي يواجهها المنظمون، والحلم الذي لا يزال ينتظر التحقيق، أجرينا هذا الحوار مع “مسعد”، أحد شباب المطرية المشاركين في تنظيم الإفطار سنويًا.
ما الذي يجعل إفطار المطرية مختلفًا عن أي إفطار جماعي آخر؟ وما الروح التي تميزه؟
إفطارنا ليس مجرد صف من الطاولات وأناس يجلسون لتناول الطعام؛ بل هو روح تجمع تتجلى فيها مشاعر العائلة، كبارًا وصغارًا، أغنياء وفقراء، يجلس الجميع بجانب بعضهم دون تمييز. من يملك ما يقدمه يساهم بما يستطيع مع من حوله، ومن يحتاج يفطر بين الناس وكأنه في بيته.
هذه اللمّة والود المتبادل هما ما يجعلان إفطار المطرية مختلفًا عن غيره.
في أول مرة نظمتم الإفطار، هل كنتم متخيلين أنه سينمو بهذا الشكل؟ ومتى شعرتم بأنه أصبح حدثًا مهمًا؟
بصراحة لم نكن كذلك! بدأنا بفكرة بسيطة لإقامة إفطار للمقيمين في المنطقة والتجمع في رمضان.
لكن مع مرور الوقت، بدأ الناس ينتظرونه عامًا بعد عام، وأصبحنا نشعر بأهميته حين بدأ يتوافد ضيوف من خارج المطرية خصيصًا للحضور معنا، حتى أن الإعلام بدأ يتحدث عننا، مما جعلنا ندرك أن الإفطار أصبح حدثًا بارزًا.
المطرية معروفة بروحها وعراقتها، فهل أصبح الإفطار الجماعي جزءًا من هويتها؟
بالتأكيد، فالمطرية تعرف أهلها بالكرم والجود، والإفطار يعكس هذه القيم أكثر مع مرور السنين.
الفكرة لا تقتصر على تناول الطعام فقط، بل تتعدى ذلك إلى العطاء والتراحم والمودة، وهي القيم التي نسعى دائمًا للحفاظ عليها، وعندما يتحدث الناس عن المطرية في رمضان، يتحدثون عن الإفطار الجماعي، وهذا يفرحنا كثيرًا.
كيف تستطيعون جمع جميع الفئات والطبقات على نفس المائدة؟
يحدث ذلك بشكل طبيعي دون تخطيط مسبق. الجميع يندمجون كأفراد متساوٍ؛ فلا أحد أفضل من الآخر، ولا ينتظر أحد أن يُقدَّم له الطعام، بل يساهم الجميع فيما يحتاجه الآخرون.
من يستطيع تقديم شيء، يقدمه، ومن لا يستطيع يتناول الطعام دون أن يسأل عن شيء، لأن الإفطار للجميع. وهذه هي روح المطرية.
هل ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للإفطار أم أثرت سلبًا عليه؟
وسائل التواصل لها جانبان؛ فهي ساعدت في نشر المعرفة عن الإفطار وجذب عدد أكبر من الناس، وهو أمر جيد.
من ناحية أخرى، فرضت علينا ضغوطًا أكبر للحفاظ على الروح الأصيلة للإفطار، فلا نريد أن يصبح حدثًا فقط من أجل التصوير، بل نفضل أن يأتي الناس ليعيشوا اللحظة، لا لالتقاط صور ثم المغادرة.
يقول البعض إن الإفطار الجماعي مجرد برنامج إعلامي، فما ردكم على ذلك وهل هناك نية لتوسيع الفكرة؟
من يحضر الإفطار ويجلس وسط الناس سيفهم فورًا أنه ليس مجرد برنامج إعلامي أو استعراض؛ لأن غياب الحب الحقيقي عن قلوب الحاضرين كان سيُفقد الفكرة استمراريتها طوال هذه السنين.
بالنسبة لتوسيع الفكرة، نطمح لأن يكون الإفطار موجودًا في مناطق أخرى وليس فقط في المطرية؛ فلم لا يكون في كل منطقة بمصر؟ هذا ما نسعى لتحقيقه بإذن الله.
ما هو أصعب موقف واجهتموه أثناء تنظيم الإفطار؟ ومن هو الشخص الذي إذا غاب، سيتأثر الإفطار؟
كان أصعب موقف عندما ازداد عدد الحاضرين بشكل كبير ولم نكن نعلم كيف ننظم التدفق؛ فقد شعرنا أننا قد لا نتمكن من الاستمرار.
لكن، بفضل شباب المطرية وإصرارهم، تمكنا من تجاوز الأزمة. أما بالنسبة للشخص الذي إذا غاب، أرى أن الإفطار لا يعتمد على فرد واحد؛ فالروح الجماعية هي التي تجعل الحدث مستمرًا، وكل عام يشارك فيه أشخاص جدد يحبون الفكرة ويساهمون في استمرارها.
هل يشمل الإفطار جميع الأجيال أم أن جيلًا معينًا يتولى زمام الأمور؟
الإفطار يشمل جميع الأجيال، لكن عملية التنظيم تكون عادة بيد الشباب، لأنهم يمتلكون الطاقة والمسؤولية.
مع ذلك، يلعب الكبار دورًا مهمًا في الحفاظ على تقاليد الإفطار، ونحن نسعى لأن يشارك الأجيال الجديدة مبكرًا ليتمكنوا من تولي المسؤولية فيما بعد.
إذا جاء شخص من خارج المطرية إلى الإفطار، ما الذي سيراه وسيشعره بأنه في بيته؟
سيجد الناس منشغلين بمساعدة بعضهم البعض، حيث سيجد من يقدم له الطعام، ومن يرحب به قائلًا: “تفضل”، ومن يسأله إذا كان يحتاج شيئًا آخر، حتى لو لم يعرفهم، سيندمج معهم فورًا ويشعر وكأنه بين أهله منذ اللحظة الأولى.
بعد كل هذه السنين، ما هو الحلم الذي لم يتحقق بعد للإفطار؟ وما الشيء الذي إذا تحقق، سيجعله حدثًا تاريخيًا؟
الحلم الكبير هو أن نرى إفطارًا مماثلًا في كل منطقة بمصر، بنفس الروح التي نتمتع بها، إذا تحقق ذلك، لن يكون الإفطار مجرد حدث كبير فحسب، بل سيكون علامة مميزة في تاريخ التكافل الاجتماعي في مصر.
مشاركة علي
تعليق واحد