حاوره أحمد طنطاوي
في زمنٍ باتت فيه الصورة تسبق الكلمة، وتحولت فيه “التريندات” إلى مرآة لاهتمامات الرأي العام، أصبحت الدراما أداةً مؤثرة في تشكيل وعي المجتمعات، لا سيما في عالمنا العربي الذي يشهد تحولات اجتماعية وثقافية متسارعة، ومع تصاعد المحتوى السطحي، تتعاظم مسؤولية النخبة الأكاديمية والإعلامية في استعادة التوازن وبناء وعي جمعي أصيل.
في هذا السياق، أجرينا حوارًا مع الدكتور سامح عبد الغني، وكيل كلية الإعلام بجامعة الأزهر للدراسات العليا، حول دور الدراما والإعلام الرقمي في صياغة الذوق العام، وخطورة هيمنة المحتوى الهابط، والمسؤوليات المتبادلة بين صناع المحتوى والمؤسسات الأكاديمية.
في البداية يا دكتور، تحدثتم مؤخرًا عن أهمية الدراما، كيف ترون دورها؟
بالفعل، الدراما تُعد من أهم أدوات القوة الناعمة، تؤثر في وجدان الجماهير، وتشكل قيمهم ومعتقداتهم. إنها عنصر رئيس في دعم الهوية الثقافية والبنية الاجتماعية للمجتمع.
ما الأسباب التي أدت إلى تصدّر المحتوى الهابط للتريندات بهذا الشكل؟
هناك عدة أسباب، منها انجذاب بعض الجماهير إلى كل ما هو خارج عن المألوف، إلى جانب سهولة الوصول لهذا المحتوى وسرعة انتشاره عبر المنصات الرقمية، كما أن بعض صناع المحتوى يلهثون وراء الشهرة السريعة حتى لو على حساب الذوق العام والقيم.
هل تعتقد أن ذلك نتيجة لتغير في ذوق الجمهور أم لتوجيه مقصود؟
هو مزيج من الأمرين. هناك تغير نسبي في ذوق بعض الفئات نتيجة عوامل اجتماعية وثقافية، بالإضافة إلى غياب البدائل الجيدة أحيانًا.
لكن في الوقت نفسه، هناك توجه متعمد من بعض صناع المحتوى لاستغلال الإثارة والسطحية، رغم أن الجمهور غالبًا ما يُقبل على الأعمال الهادفة عندما تتاح له.
ما دور مواقع التواصل في ترسيخ هذه الظواهر؟
دور كبير جدًا، خوارزميات المنصات تعزز المحتوى الذي يحقق تفاعلًا عاليًا، بغض النظر عن جودته، وفي كثير من الأحيان يكون الدافع المالي هو المحرك الأساسي، لذا، يجب أن نقف أمام هذا التأثير وقفة جادة.
كـ وكيل لكلية إعلام، ما دور المؤسسات الأكاديمية في التصدي لهذه الظواهر؟
دورنا محوري. لا نخرج إعلاميين فحسب، بل نُسهم في بناء وعي المجتمع. نركز على أخلاقيات المهنة، التربية الإعلامية، ونقد المحتوى، كما نشجع الطلاب على تقديم محتوى بديل راقٍ وهادف يساهم في تصحيح المسار.
هل ترى تراجعًا في نوعية القيم التي تروج لها بعض الأعمال؟
نعم، للأسف. هناك أعمال تروج لقيم سطحية وسلوكيات لا تعكس الواقع المصري، بل تعمم ألفاظًا ومشاهد كانت مستهجنة، هذا له أثر سلبي عميق على وجدان الأجيال الجديدة.
هل صانع الدراما مسؤول عن هذا التأثير؟
بالتأكيد. هو ليس ناقلًا للواقع فقط، بل شريك في تشكيله. الكلمة والمشهد لهما قوة تشكيل الوعي وزرع القيم، وهنا تكمن مسؤوليته الأخلاقية والمجتمعية.
يقال إن الدراما مجرد مرآة للواقع.. ما رأيك؟
أحيانًا تعكس الواقع، لكنها كثيرًا ما تعيد تشكيله، هناك فرق بين تقديم الواقع كما هو، وبين تقديمه في إطار فني يحمل رسالة. المسؤولية هنا في اختيار الزاوية التي تبني لا التي تهدم.
هل الجهات الرقابية تقوم بدورها الكافي؟
تبذل جهدًا، لكن التحديات أكبر من قدرات الرقابة التقليدية، نحن بحاجة إلى رقابة ذكية تعتمد على التوعية، وتشجيع ودعم المحتوى الجيد، لا مجرد المنع.
كيف نحقق توازنًا بين حرية التعبير والحفاظ على الذوق العام؟
من خلال وعي صانع المحتوى بمسؤوليته، ووجود أطر مهنية تحترم حرية التعبير دون إسفاف، أيضًا، دعم الدولة للأعمال الجادة ضروري لتوفير بدائل حقيقية تجذب الجمهور.
ما رسالتك لصناع المحتوى وللشباب؟
لصناع المحتوى أقول: كونوا أصحاب رسالة لا أصحاب تريندات. تأثيركم أكبر مما تتخيلون.
وللشباب: لا تسمحوا للتريند بأن يقودكم. كونوا أنتم من يختار ويُقيّم، الوعي مسؤولية جماعية، والمحتوى الجيد موجود لكنه يحتاج إلى من يدعمه.
مشاركة علي
إرسال التعليق