الذكاء الاصطناعي والأخبار الرائجة.. الإشكاليات والحلول

د. سامح عبد الغني يكتب…

شهد الإعلام الرقمي تحولات كبيرة أفرزتها تقنيات الذكاء الاصطناعي التي توغلت في المشهد الإعلامي وألقت بظلالها على أبعاده ومكوناته وتأثيراته المتعددة.

ومن بين هذه التحولات التوجه نحو “الأتمتة” و”صناعة المحتوى الآلي” التي كان لها أبرز الأثر على بيئة العمل الإعلامي، وعلى صناعة المحتوى الرقمي وطرحه على الجمهور وتفاعله معه.

لقد أدى التحول نحو الذكاء الاصطناعي وإنتاج المحتوى الإعلامي الرقمي الآلي “الأتمتة” إلى تنوع المضامين المطروحة على الجمهور، وسهولة إنتاجها وطرحها عبر منصات إعلامية متعددة يتفاعل الجمهور معها بشكل كبير عبر أدوات تفاعلية متعددة؛ لكنه في ذات الوقت أفرز العديد من الظواهر السلبية التي أثرت على المحتوى الإعلامي الرقمي.

ومن بين هذه الظواهر ما يمكن أن نطلق عليه “التريند” أو “الأخبار الرائجة” التي أصبحت ظاهرة ملفتة للنظر تحتوي على تأثيرات متعددة.

فعلى الرغم من ضخامة المحتوى الإعلامي الذي يتم طرحه على الجمهور، وعلى الرغم من سهولة التعرض لهذا المحتوى والتفاعل معه؛ فإن الأمر لم يخلُ من جوانب سلبية أصبحت واضحة للعيان.

ومن أبرز هذه الجوانب انتشار “التريند” أو “الأخبار الرائجة” التي تستحوذ على اهتمام الجماهير، وتلقى رواجًا كبيرًا عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي.

لقد أدى ظهور “التريند” أو “الأخبار الرائجة” إلى تحول الجمهور إلى صانع المحتوى الإعلامي باحثًا عن الذيوع والانتشار والكسب المادي بعيدًا عن القيم الأخلاقية والضوابط المهنية.

ولم يتوقف الأمر عند حدود صناع المحتوى بعدما تحول القائم بالاتصال إلى هذه “الأخبار الرائجة” سعيًا وراء جذب الجمهور للتعرض للمحتوى في ظل تنوع المنصات الرقمية وكثافة مضامينها، دون نظر إلى الضوابط المهنية والقواعد الحاكمة للعمل الإعلامي، ودون تقيد بالمسؤولية الاجتماعية التي تفرض عليه تحديد ما يتم نشره وما لا يتم نشره وفقًا لقيم المجتمع وأعرافه وتقاليده ومصالحه العليا، وأمنه الفكري، واستقراره المجتمعي.

ومن بين هذه الجوانب -أيضًا- ما يتعلق بـ”المصداقية”، حيث انتشر بعض “المحتويات الزائفة” التي افتقدت للدقة والمهنية والموثوقية، في ظل بروز برامج تقنية متعددة تتيح تزييف المحتوى النصي والصور والفيديوهات باحترافية كبيرة وتحول دون اكتشافها من قبل الجماهير.

ومن بين الآثار السلبية -أيضًا- انتشار “الأخبار الزائفة” و”المعلومات المضللة” و”الشائعات المغرضة” التي تسعى لهدم الأوطان، وإحداث القطيعة بين قاطنيها، وخلق حالة من عدم الاستقرار، والتي تتطلب المواجهة الفكرية والإعلامية، وخلق حالة من الوعي بمخاطرها وأهدافها، وتفعيل “التربية الإعلامية الرقمية” التي تساعد الجمهور في معرفة الأخبار الحقيقية من الأخبار الزائفة والمضللة، وتحليل المحتوى ونقده قبل نشره أو التفاعل معه عبر المنصات الرقمية المختلفة.

ورغم ما أضافته “تقنيات الذكاء الاصطناعي” من مميزات كثيرة أثرت العمل الإعلامي، فإننا بحاجة إلى توظيف هذه التقنيات بما لا يتعارض مع القيم المهنية والمسؤولية المجتمعية، وعدم إلحاق الضرر بالمجتمعات والشعوب، وبما يحقق الأمن الفكري والاستقرار المجتمعي.

مشاركة علي

إرسال التعليق