كتب: محمود فتحي
في عالم سريع الإيقاع تهيمن عليه المنصات الرقمية، أصبح الفلوجرز – وهم صانعو المحتوى الشخصي اليومي – جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الأطفال والمراهقين، فمن مشاهدة التحديات اليومية إلى متابعة مغامرات الحياة، يجد الأطفال أنفسهم أمام واقع افتراضي جديد، يُشكل تصوراتهم وسلوكياتهم دون وعي.
وفي ظل تصاعد هذه الظاهرة، تتزايد المخاوف حول طبيعة التأثيرات النفسية والاجتماعية التي قد تخلّفها هذه المتابعة اليومية، فبين الترفيه الهادف والمخاطر الكامنة، يقف الأطفال اليوم على حافة واقع رقمي معقد تتداخل فيه المؤثرات النفسية والاجتماعية بشكل غير مسبوق.
وبينما لا يمكن تجاهل قوة السوشيال ميديا في عالمنا الحديث، ليبقى الرهان الأكبر على الأسرة والمجتمع في بناء وعي نقدي يحمي أطفالنا من الوقوع ضحية لسطحية الصورة وسطوة المؤثر.
من هم الفلوجرز؟ ولماذا ينجذب إليهم الأطفال؟
يشير تقرير صادر عن Common Sense Media (2023) إلى أن أكثر من 60% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عامًا يتابعون بانتظام فلوجرز عبر يوتيوب وتيك توك، مما يجعلهم من أكثر الفئات تأثراً بهذا النوع من المحتوى.
وتعتمد قوة جذب الفلوجرز للأطفال على عدة عوامل منها أسلوب عرض بسيط وقريب من حياة الطفل اليومية، وتقديم محتوى مليء بالمرح والتحديات، والتفاعل المباشر مع الجمهور، مما يمنح الطفل شعورًا بالانتماء الشخصي.
التأثيرات السلوكية والنفسية المحتملة
دراسة صادرة عن الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) عام 2023، حذرت من أن التعرض المستمر لمحتوى الفلوجرز قد يؤدي إلى، التقليد غير الواعي، حيث يتبنى الطفل سلوكيات الفلوجر المفضل لديه دون فهم لنتائجها.
إضافة إلى تعزيز السلوك الاستهلاكي، بالترويج غير المباشر للمنتجات عبر الفلوجرز يزرع لدى الأطفال قناعة بأن السعادة مرتبطة بالامتلاك، والتعرض لمحتوى غير ملائم، فأحياناً، لا يتناسب المحتوى المعروض مع الفئة العمرية للأطفال مما يؤثر على نموهم القيمي والأخلاقي.
استغلال الطفولة عبر الفلوج
في مصر، أبدى المجلس القومي للأمومة والطفولة قلقه من ظاهرة استخدام الأطفال في مقاطع الفيديو لجذب المشاهدات، مؤكدًا أن بعض المحتويات تصل إلى حد الاستغلال التجاري الصريح للطفولة.
وتكرر المشهد عالميًا في حالات مثل قضية الفلوجر الأمريكية Myka Stauffer، التي تبنت طفلاً ثم تخلت عنه لاحقًا لأسباب تتعلق بالمحتوى الرقمي.
الإعلام المتخصص يحذر: أين تكمن الخطورة؟
تؤكد الدكتورة رحاب فوزي، أستاذة الإعلام الرقمي بجامعة القاهرة، أن الفلوجرز أصبحوا يشاركون في تشكيل وجدان الأطفال من دون المرور عبر مرشحات تربوية أو ثقافية، مما يفرض تهديدًا حقيقيًا على المنظومة القيمية للمجتمع.
وترى أن غياب الضوابط القانونية والأخلاقية على هذا النوع من المحتوى يسمح بمزيد من الانفلات الذي قد يضر بمستقبل النشء.
كيف يمكن حماية الأطفال؟
أوضحت الدكتورة رحاب فوزي، أنه يمكن حماية الأطفال من خلال تعزيز الرقابة الأبوية بتحديد نوعية المحتوى وساعاته، والتوعية بالنقد الإعلامي بتعليم الأطفال مهارات التفكير النقدي تجاه ما يشاهدونه.
كما يمكن حماية الأطفال من خلال سن تشريعات واضحة، لتنظيم صناعة المحتوى الموجه للأطفال وضمان التزامه بالمعايير الأخلاقية والتربوية.
مشاركة علي
إرسال التعليق