كتب: أحمد طنطاوي

في السنوات الأخيرة، أصبحت ظاهرة الانتحار من القضايا الأكثر إلحاحًا في المجتمع المصري، خاصة مع تكرار حالات انتحار الشباب باستخدام “حبة الغلة”، تلك المادة السامة التي تُباع في الأسواق الزراعية بأسعار زهيدة، وتحولت “حبة الغلة” من أداة لحفظ الحبوب إلى سلاح قاتل ينهي حياة العديد من الأشخاص سنويًا، مما يسبب صدمة للأسر ويترك المجتمع في حالة من الحيرة، وسط تقصير المؤسسات المعنية في التصدي لهذه الظاهرة.

صلاح الباجوري يكشف عن الأسباب والدوافع

يؤكد الدكتور صلاح محمود الباجوري، وكيل كلية الدعوة الإسلامية للدراسات العليا بجامعة الأزهر، أن تزايد حالات الانتحار لا يمكن اختزاله في الأرقام والإحصائيات فحسب، بل هو نتيجة لمشكلات أعمق تتعلق بفقدان الأمل وضغوط الحياة، وضعف الوعي الديني والنفسي.

ويضيف أن فقدان الفرد للـ”بوصلة” الإيمانية والدنيوية يجعله أكثر عرضة للانهيار النفسي، خصوصًا إذا لم يجد من يدعمه أو يستمع إلى معاناته.

الضغوط الاقتصادية والاجتماعية

وأوضح أن الأسباب النفسية تتداخل مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الشباب في مصر، مثل ارتفاع الأسعار، نقص فرص العمل، والتحديات الأسرية، التي قد تدفع الفرد إلى الشعور بالعجز واليأس، ورغم هذه التحديات، يشير الدكتور الباجوري إلى أن الإسلام يرفض الاستسلام لليأس، ويعتبر الانتحار من الكبائر، داعيًا الشباب إلى الصبر والتوكل على الله في مواجهة الأزمات.

خطورة “حبة الغلة” والحلول التشريعية

وعن الخطورة قال: تتمثل خطورة “حبة الغلة” في أنها تقتل بسرعة، فضلاً عن أنها متاحة بسهولة دون رقابة كافية. لذا، دعا إلى ضرورة التدخل التشريعي لتقييد بيع هذه المادة، بحيث يُقتصر تداولها على الجهات المرخصة فقط، مع توفير بدائل آمنة للمزارعين، مؤكدا أن “حماية الأرواح أولى من كل شيء”.

دور المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية

كما دعا الدكتور الباجوري، إلى ضرورة تكثيف دور المؤسسات التعليمية والدينية في التوعية بمخاطر الانتحار، من خلال حملات توعية تستهدف الشباب في المدارس والجامعات، إضافة إلى استخدام منصات التواصل الاجتماعي التي تُعد مصدرًا مؤثرًا في تشكيل سلوكيات الشباب.

كما يشير إلى دور الإعلام في تناول هذه القضايا، حيث إن التغطية السطحية أو المثيرة قد تشجع على تقليد الحوادث دون الاهتمام بالآثار النفسية المترتبة على ذلك.

مواجهة ظاهرة الانتحار: الحلول العملية

ويختتم الدكتور الباجوري حديثه بالتأكيد على أن مواجهة ظاهرة الانتحار لا تتم بالشجب والاستنكار فحسب، بل من خلال خطوات عملية تبدأ من الأسرة، مرورًا بالمجتمع، وصولًا إلى الدولة، حيث يُعد الدعم النفسي، فتح قنوات الاستماع، توفير فرص العمل، وتشديد الرقابة على المواد السامة من الحلول الضرورية التي لا تحتمل التأجيل.

ويختتم بقوله: “نحن بحاجة إلى أن نعيد لشبابنا الإيمان بالحياة، وأن نثبت لهم أن لكل ضيق فرجًا، ولكل كرب مخرجًا”، وهي دعوة صادقة لتحمّل المسؤولية والعمل معًا من أجل الحفاظ على الأرواح ومواجهة هذه الظاهرة بشكل فعال.