المساكنة قبل الزواج.. حرية أم تهديد لاستقرار المجتمع؟

كتب: أحمد علي

في ظل الانفتاح الثقافي والتباين الكبير في أنماط الحياة بين الأجيال، أصبح مصطلح “المساكنة” أو “التعايش قبل الزواج” يطرح نفسه كخيار يُروج له البعض تحت شعار الحرية الشخصية وتجربة الحياة المشتركة قبل الارتباط الرسمي، إلا أن هذه الفكرة تحمل في طياتها جوانب شرعية واجتماعية أثارت جدلًا واسعًا بين من يؤيدها ومن يعارضها.

وتظل المساكنة ظاهرة متجددة تتقاطع فيها اتجاهات التحرر والتمسك بالقيم، وبينما يشهد الجدال احتدامًا بين معارضين يرونها “انحلالًا أخلاقيًا” وآخرون يعتبرونها “حرية شخصية”، ليبقى دور المؤسسات الدينية والاجتماعية مهمًا في توضيح الزوايا الشرعية والتأثيرات النفسية والاجتماعية لهذه الممارسة.

981 المساكنة قبل الزواج.. حرية أم تهديد لاستقرار المجتمع؟

ما هي المساكنة؟

وفقًا للتعريف الشرعي الذي قدمه الدكتور عبد القادر فاروق، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والقانون بجامعة خاتم المرسلين العالمية، فإنّ المساكنة تعني “عيش رجل وامرأة في مرفق سكني واحد دون رابطة شرعية، سواء في غرفة واحدة أو في مسكنين مستقلين يشتركان في المرافق الأخرى مثل المطبخ أو الحمام”

ويضيف الدكتور فاروق، بأن هذا المفهوم ليس جديدًا، بل عرفه الفقهاء قديمًا وحرّموه باعتباره مظنّةً للخلوة المحرمة التي قد تُفضي إلى الفتنة والوقوع في المحظور. واستشهد بقول الإمام ابن حجر الهيتمي في “الفتاوى الفقهية الكبرى”: “إذا سكنت المرأة والأجنبي في حجرتين أو في دارٍ واحدة، واشتركا في منفذ كالمطبخ أو الحمام أو السطح، فحرمت المساكنة لأنها مظنّة للخلوة المحرمة.” (الفتاوى الفقهية الكبرى، ج4/ص106).

IMG-20250409-WA0002 المساكنة قبل الزواج.. حرية أم تهديد لاستقرار المجتمع؟

أسباب انتشار الفكرة

يربط بعض الشباب بين المساكنة والانفتاح على نماذج الحياة الغربية، معتبرين أنّها “تجربة قبل الزواج” تساعد الطرفين على التعارف والتوافق النفسي. كما يرى آخرون أنّ ارتفاع تكاليف الزواج والعوائق الاجتماعية قد يدفعهم إلى اللجوء إلى هذا الخيار كبديل مؤقت.

ومع ذلك، يوضّح الدكتور فاروق أنّ “الحرية الشخصية لا تعني الفوضى، فالحرية الحقيقية تحترم القيم الدينية والاجتماعية، وتنتهي عند حدود الله والمجتمع”.

ويؤكد أن الترويج للمساكنة باسم “الاستقلالية” قد يسهم في تدمير الأسرة ونشر الفساد، إذ أن “غياب الضمانات الشرعية والاجتماعية يخلق حالة دائمة من القلق وعدم الأمان النفسي”.

IMG-20250409-WA0001 المساكنة قبل الزواج.. حرية أم تهديد لاستقرار المجتمع؟

التداعيات الاجتماعية والأخلاقية

وأوضح أن من تداعيات المساكنة، تفكيك الأسرة، فالمساكنة تتجاوز قيم الزواج التي تضمن بيئة مستقرة تحمي الطرفين من مخاطر الانفصال المفاجئ.

وأضاف أنها تعمل على إضعاف الروابط الاجتماعية، فالعلاقات المبنية على المساكنة تفتقر إلى الأسس الشرعية التي تمنح العلاقات الثبات والاحترام بين الأهل والمجتمع.

كما أوضح أنها تساهم في انحلال أخلاقي، حيث يرى كثيرون أن المساكنة تفتح الباب أمام علاقات محرمة لا يمكن حصرها ضمن إطار “تجربة” أو “حرية”، بل هي انحراف عن الفطرة السليمة.

couple-spending-time-together-outdoors المساكنة قبل الزواج.. حرية أم تهديد لاستقرار المجتمع؟

صوت المجتمع والشباب

رصدنا آراءً متفاوتة بين طلبة الجامعة والمجتمع المدني، فيقول “م.ع.”، طالب بكلية الآداب: “بعض الأصدقاء يرون في المساكنة فرصة للتعرف عن قرب قبل اتخاذ قرار الزواج، لكنّي شخصيًا أرفض الفكرة لأنها تخرج عن إطار القيم التي تربينا عليها”.

في المقابل، ترى “ن.س.”، خريجة حديثة: “المعايشة تساعد على اختبار التوافق المادي والنفسي قبل الارتباط الرسمي، خاصة في ظل ارتفاع التكاليف وصعوبة الزواج التقليدي”.

 

مشاركة علي

إرسال التعليق