عزاء المشاهير تحت عدسات الترند.. حين يتحول الحزن إلى سباق على الشهرة

أحمد طنطاوي.. يكتب:

في السنوات الأخيرة، تحولت مراسم عزاء الفنانين والفنانات إلى مشهد مفتوح للعدسات الصحفية والمصورين الذين يسعون لتحقيق أعلى نسب مشاهدة، فلم يعد العزاء مجرد مناسبة للحزن وتوديع الراحلين، بل أصبح ساحة لاصطفاف المشاعر الإنسانية أمام الكاميرات، وتحويلها إلى سلعة رقمية تُستخدم في جذب المتابعين، وتحقيق “التريند” على حساب القيم الإنسانية.

من حيث المبدأ، تعتبر التغطية الإعلامية لهذه المناسبات أمرًا مشروعًا إذا تمت باحترام ووعي. فالجمهور له حق في معرفة أخبار الشخصيات التي كانت جزءًا من وجدانهم الفني والثقافي. لكن الواقع يكشف تجاوزات مؤسفة، حيث تتعمد بعض المواقع الصحفية تصوير الفنانين عن قرب أثناء لحظات انهيارهم أو بكائهم، مع التركيز على المشاهد المؤثرة بهدف جذب أكبر عدد من المشاهدات وتحقيق أرباح سريعة، ففي كثير من الأحيان، يبدو أن الكاميرا تبحث عن دمعة أو انهيار لتتسابق المواقع في نشرها بعنوان صادم ومبالغ فيه.

تتفاقم الأزمة عندما تجد بعض العناوين التي تفتقر للحد الأدنى من اللياقة، مثل: “انهيار فنان شهير في جنازة زميله” أو “مشاجرة مفاجئة في العزاء”، وهي عناوين تهدف إلى إثارة فضول المتابعين دون مراعاة لقدسية الموقف أو مشاعر أسرة الفقيد، هذه الممارسات تكرس ثقافة الاستهلاك العاطفي، حيث أصبح الجمهور يترقب الصور وردود الأفعال أكثر من اهتمامه بمضمون العزاء وقيمته الإنسانية. كأن المأساة فقدت معناها وتحولت إلى عرض مفتوح أمام الجميع.

رغم هذه الممارسات، ما تزال بعض المؤسسات الصحفية الجادة تحافظ على مهنية التغطية، وتنقل الحدث بلغة هادئة تليق بجلال الموت، دون استغلال الحزن أو تسويق الألم بهدف كسب الشهرة. وهذه النماذج تذكرنا بالدور الحقيقي للإعلام الذي يجب أن ينقل الحقيقة بضمير ومسؤولية، بعيدًا عن التكسب السريع.

وسط هذا المشهد، يبقى السؤال الملح: هل فقد الإعلام بعضًا من إنسانيته تحت وطأة المنافسة على الترند؟ هل يمكن أن تعود التغطيات الإعلامية إلى رشدها، فتحدد حدودًا واضحة بين الواجب المهني واحترام المشاعر الإنسانية؟ ربما يكمن الحل في تبني ميثاق شرف إعلامي يضع خطوطًا حمراء أمام استغلال مثل هذه اللحظات الحزينة، ليظل الإعلام أداة تنوير، لا مجرد وسيلة للربح السريع على حساب الإنسانية.

مشاركة علي

إرسال التعليق