حاوره أحمد طنطاوي
في الآونة الأخيرة، أصبحت “ترندات المدرسين” من الظواهر التي لاقت اهتمامًا واسعًا، حيث بدأ عدد من المعلمين في استخدام منصات التواصل الاجتماعي بأساليب جديدة وغير تقليدية. هذه الظاهرة أثارت جدلًا كبيرًا بين الأوساط التعليمية والمجتمعية.
البعض يرى أنها وسيلة مبتكرة لتحفيز الطلاب على التعلم وجذب انتباههم، بينما يعتقد آخرون أن هذه الأساليب قد تضر بصورة المعلم وتقلل من هيبته أمام الطلاب.
في هذا السياق، نلتقي بالأستاذ عبد الفتاح إبراهيم، مدرس بأحد المعاهد الأزهرية، والذين خاضوا تجربة استخدام السوشيال ميديا في التدريس، ليحدثنا عن رأيه في هذه الظاهرة، ومدى تأثيرها على العملية التعليمية في الوقت الراهن.
كيف ترى ظاهرة “ترندات المدرسين” التي انتشرت مؤخرًا؟
كأي تطور جديد، تحمل هذه الظاهرة جوانب إيجابية وأخرى سلبية، التكنولوجيا أصبحت جزءًا أساسيًا من حياتنا، والطلاب يقضون وقتًا طويلًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فلماذا لا نحاول الوصول إليهم بالأسلوب الذي يفهمونه ويتفاعلون معه؟ لكن المشكلة أن بعض المدرسين أساؤوا استخدامها، مما جعلها مثار جدل.
ما الذي دفعك شخصيًا لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بهذه الطريقة؟
لا أرى أن ما أفعله مجرد “ترند” بغرض الشهرة، بل هو محاولة لتقديم المعلومة بأسلوب مختلف وجذاب يناسب الطلاب، ليس جميع الطلاب يتفاعلون مع الطرق التقليدية، لذلك إذا تمكنتُ من إيصال المعلومات بطريقة جديدة ومؤثرة، فلمَ لا؟ الأهم أن يكون المحتوى محترمًا وهادفًا.
هل ترى أن هذه الظاهرة إيجابية أم سلبية؟ ولماذا؟
الأمر يعتمد على كيفية استخدامها، إذا كانت لنشر محتوى تعليمي مفيد، فهي بالتأكيد إيجابية وتساعد الطلاب على الفهم والتفاعل. أما إذا كان الهدف مجرد جذب الانتباه دون مراعاة القيم التعليمية، فهنا تصبح الظاهرة سلبية وتؤثر على صورة المعلم.
كيف أثرت هذه الترندات على صورة المعلم في المجتمع؟
في البداية، قوبلت بالرفض لأن الناس لم يعتادوا رؤية المعلم بهذا الأسلوب. لكن مع الوقت، وبعدما لاحظوا أن الهدف الأساسي هو إفادة الطلاب، تغيرت النظرة تدريجيًا. الأهم هو أن نواكب التطور دون أن نفقد احترامنا كمعلمين.
هل استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي أثر على احترام الطلاب لك؟
على العكس، أشعر أن الطلاب أصبحوا أكثر تقبلًا لي عندما وجدوا أنني قريب من طريقة تفكيرهم. لكن بالطبع، هناك حد فاصل بين التقرب من الطلاب وفقدان الهيبة، وهو ما أحرص عليه دائمًا.
ما الفرق بين المدرس الذي يستخدم التكنولوجيا لأغراض تعليمية، وآخر يستخدمها بحثًا عن الشهرة؟
الفرق واضح. المعلم الذي يسعى لنشر المعرفة سيكون محتواه تعليميًا حتى لو قُدّم بأسلوب خفيف وجذاب، أما من يبحث عن الشهرة فقط، فسيكون تركيزه على الاستعراض أكثر من الإفادة.
هل أثرت هذه الظاهرة على العملية التعليمية بشكل مباشر؟ وكيف؟
نعم، وكان التأثير إيجابيًا وسلبيًا في نفس الوقت. من ناحية، زادت حماسة الطلاب للتعلم، وأصبحوا يرون أن التعليم يمكن أن يكون ممتعًا، لكن من ناحية أخرى، بدأ بعض الطلاب يركزون على أسلوب تقديم المحتوى أكثر من المعلومة نفسها، وهو ما يتطلب من المعلم وعيًا للتعامل مع هذه المشكلة بحكمة.
يرى بعض المدرسين أن الترندات وسيلة لجذب الطلاب وزيادة التفاعل، ما رأيك؟
هذا صحيح، ولكن يجب على المعلم معرفة حدوده. جذب الطلاب مهم، لكن الأهم هو المحتوى المُقدَّم لهم، إذا كان الهدف فقط زيادة التفاعل دون تقديم محتوى تعليمي، فهنا تكمن المشكلة.
هل ترى أن هناك رقابة كافية من الجهات التعليمية على هذه الظاهرة؟
بدأت الجهات التعليمية في فرض بعض الضوابط، وهو أمر جيد للحفاظ على صورة المعلم. ولكن في الوقت ذاته، يجب على المؤسسات التعليمية أن تدرك أن التكنولوجيا ليست عدوًا، بل يمكن أن تكون أداة تعليمية قوية إذا استُخدمت بالشكل الصحيح.
ما دور المؤسسات التعليمية والأزهر في تنظيم سلوك المعلمين على وسائل التواصل الاجتماعي؟
من المهم وضع ميثاق أخلاقي للمعلمين ينظم استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي، دون فرض قيود تمنع الإبداع، يجب أن تكون هناك حرية، ولكن في إطار أخلاقي واضح يحفظ هيبة المعلم وقيم التعليم.
كيف يمكن للمعلم مواكبة العصر الرقمي دون التأثير على مكانته وهيبته؟
الأمر يتوقف على الطبيعية والاحترام. يمكن للمعلم استخدام وسائل التواصل بأسلوب عصري وجذاب، لكن دون أن يتخلى عن وقاره، ليس كل شيء يجب أن يتحول إلى “ترند”، والمهم أن يكون المحتوى هادفًا وقيمًا.
كيف يمكن تنظيم استخدام المعلمين لوسائل التواصل الاجتماعي بما يحافظ على القيم التعليمية؟
أقترح تنظيم ورش تدريبية للمعلمين حول كيفية استخدام التكنولوجيا في التعليم بشكل صحيح، كما يمكن فرض رقابة معتدلة من الجهات التعليمية، بحيث يتم توجيه المدرسين دون تقييد إبداعهم.
هل تؤيد وجود قوانين لمحاسبة المدرسين الذين يستغلون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير لائق؟
بالطبع، أي شخص يسيء استخدام منصبه يجب أن يُحاسب، سواء كان معلمًا أو غير ذلك، لكن في الوقت نفسه، يجب أن تكون هناك توعية قبل فرض العقوبات، لأن البعض قد يرتكب الأخطاء دون إدراك تأثيرها.
ما نصيحتك للمدرسين الشباب الذين يرغبون في استخدام التكنولوجيا دون الوقوع في فخ الترندات السلبية؟
أن يكونوا على طبيعتهم، ويحرصوا على تقديم محتوى محترم وهادف. الشهرة ليست الهدف، بل يجب أن يكون التركيز على الإفادة، إذا كان المحتوى مفيدًا وجذابًا، فسيتابعهم الناس ويحترمونهم دون الحاجة إلى اللجوء لأساليب سطحية لزيادة المشاهدات.
في النهاية، ما الرسالة التي تود توجيهها للمجتمع حول هذه الظاهرة؟
رسالتي أن نكون منفتحين على التطور، لكن دون أن نفقد قيمنا واحترامنا. التعليم رسالة قبل أن يكون مهنة، والمعلم يجب أن يكون قدوة سواء داخل الفصل أو على وسائل التواصل الاجتماعي. التكنولوجيا أداة قوية يمكن أن تخدم العملية التعليمية إذا استُخدمت بالشكل الصحيح.
مشاركة علي
إرسال التعليق