كتب: سعد الحسيني
مع تسارع التحول الرقمي حول العالم، لم تعد “التريندات” على مواقع التواصل الاجتماعي مجرّد موجات عابرة، بل تحوّلت إلى مكوّن أساسي في تفاصيل الحياة اليومية للمصريين. فقد تجاوز تأثيرها حدود الترفيه أو مواكبة الأخبار، لتلعب دورًا فاعلًا في تشكيل الرأي العام، وتوجيه الأنماط السلوكية، وحتى التأثير في القرارات الرسمية.
هذا الواقع يفرض تساؤلات حول مدى وعي المجتمع بمخاطر هذه الظاهرة، وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر التريندات على القيم والتقاليد، بل وعلى الاستقرار النفسي والذهني للأفراد، من هنا، يتناول هذا التحقيق الوجهين المتضادين لهذه الظاهرة: كونها أداة للتغيير الإيجابي، أو سلاحًا لتضليل الجماهير.

قوة رقمية لصناعة الرأي العام
أصبحت التريندات أداة مؤثرة في توجيه الرأي العام، من خلال قدرتها على الحشد الرقمي وتكثيف الضغط الشعبي على صُنّاع القرار.
في حالات عديدة، أدت حملات جماهيرية بدأت بتريند على الإنترنت إلى إقالة مسؤولين أو فتح تحقيقات في قضايا عامة، ما يعكس النفوذ الحقيقي لهذه الظاهرة في الحياة السياسية والاجتماعية.
الوجه النفسي والاجتماعي للتريندات
في المقابل، لا يمكن تجاهل الأثر النفسي والاجتماعي المقلق لبعض التريندات، خاصة تلك التي تعتمد على المعلومة السريعة والمثيرة.
فالكثير من المستخدمين يتعاملون مع المحتوى المنتشر باعتباره حقيقة مطلقة، دون تحقق أو تحليل. هذا السلوك يعزز من انتشار المفاهيم السطحية، ويساهم في تزايد مشاعر القلق والتوتر، وصولًا إلى الاكتئاب لدى بعض الفئات، نتيجة التعرض المتكرر لمواد مضللة أو سلبية.
التحديات الرقمية… تهديد خفي للأطفال والمراهقين
من أخطر الظواهر المرتبطة بالتريندات، انتشار “التحديات الإلكترونية” التي تستهدف فئات عمرية حساسة، مثل الأطفال والمراهقين.
بعض هذه التحديات، كـ”تحدي التعتيم”، أودى بحياة عدد من المراهقين حول العالم، من بينهم حالات داخل مصر. وقد حذر مرصد الأزهر من هذه الظواهر، مؤكدًا على ضرورة تدخل الأسرة ومؤسسات التعليم في التوعية والمراقبة الفاعلة.
اصطدام بالقيم والتقاليد
في أحيان كثيرة، تُستغل التريندات لتمرير مفاهيم تتناقض مع المنظومة القيمية السائدة في المجتمع المصري. فهناك دعوات تنادي بتحرر مفرط أو مساواة مشوهة بين الجنسين، وهو ما يخلق حالة من الانقسام بين الأجيال، ويضعف تماسك البنية الاجتماعية، خاصة بين فئة الشباب التي تتأثر بسرعة بالمحتوى الرقمي.

الإعلام في موقف المتلقي
تشير الدكتورة نشوى عقل، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، إلى تحوّل واضح في دور وسائل الإعلام التقليدية، التي أصبحت تعتمد بشكل كبير على التريندات كمادة جاهزة للنشر دون تحقق أو تحليل معمق.
وترى أن هذا التوجه يضع الإعلام في موقع التابع بدلًا من صانع الوعي، ويهدد جودة المحتوى الإعلامي ودوره التنويري.
لجان إلكترونية وتزييف الوعي
وأوضحت أن من أخطر أوجه استغلال التريندات، ما تقوم به “اللجان الإلكترونية” التي تستخدم أدوات رقمية موجهة لنشر الشائعات أو تشويه سمعة شخصيات عامة، عبر حملات مدروسة تعتمد على التضليل والتحريض. هذا النوع من التلاعب الرقمي يضعف الوعي المجتمعي، ويخلق حالة من عدم الثقة والانقسام داخل الرأي العام.
مسؤولية جماعية أمام ظاهرة متنامية
لا يمكن إنكار أن التريندات أصبحت لاعبًا رئيسيًا في المشهد الاجتماعي المصري، وبينما تمنح الناس أداة فعالة للتعبير والتغيير، فإنها في الوقت ذاته قد تُستخدم في التلاعب بالعقول وزعزعة القيم.
لذا، تبقى الحاجة ملحّة إلى تعزيز الوعي الرقمي، وتعميم ثقافة التفكير النقدي، وتمكين الأفراد من التعامل مع الفضاء الإلكتروني بوعي ومسؤولية. فالمجتمع الذي يُدرك كيف يفرّق بين المعلومة والضجيج، هو وحده القادر على توظيف أدوات العصر لخدمة مستقبله.
مشاركة علي
إرسال التعليق