التغني بالقرآن.. تحذيرات أزهرية من ترفيه لا يليق بجلال كلام الله

  • كتب: أحمد طنطاوي

في ظل التطور السريع الذي يشهده العالم المعاصر في وسائل الإعلام وأساليب التواصل، برزت ممارسات جديدة في عرض النصوص الدينية، لا سيما القرآن الكريم، أثارت جدلاً واسعًا وتساؤلات عديدة، ومن أبرز هذه الظواهر “التغني بالقرآن” على ألحان الأغاني والموسيقى، وتقديم التلاوة بأسلوب أقرب إلى الأداء الغنائي الذي نجده في الأغاني الترفيهية، وهو ما دفع كثيرين إلى السؤال: هل يجوز شرعًا أن يُعامل كلام الله بذات الطريقة التي تُقدَّم بها الأغاني؟ وهل يُعد هذا الأسلوب تحسينًا للصوت أم خروجًا عن هدي القرآن؟

القرآن الكريم ليس مادة ترفيهية

لإزالة هذا اللبس، تحدثنا إلى فضيلة الشيخ معاذ شلبي، مسؤول الفتوى الإلكترونية بمشيخة الأزهر الشريف، الذي أكد أن القرآن الكريم ليس مادة ترفيهية، ولا يجوز عرضه بهذه الطريقة مطلقًا، فالقرآن كلام الله العزيز، أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم هُدى ونورًا، وهو متعبد بتلاوته، مما يقتضي تعظيمه وصونه عن أي شكل من أشكال التشويه أو الابتذال، ووصف هذا النوع من الأداء بـ”العرض الصوتي المشوَّه”، مؤكدًا أنه يُعد خرقًا لحرمة كلام الله، وانحرافًا عن الغاية من إنزاله.

وأكد فضيلته، أن تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب، والقرآن الكريم على رأس هذه الشعائر، وبالتالي، فإن أي أسلوب ينتقص من هيبته أو يُفرغه من روح التدبر والخشوع يُعد مخالفًا للشرع، كما شدد على أن تحويل التلاوة إلى ما يشبه الأداء الغنائي لا يجوز شرعًا، إذ يُخرّب الغاية الأساسية من إنزال القرآن، ويُحوّل استماعه من مقام التأثر والتدبر إلى مقام التسلية والطرب.

IMG-20250429-WA0089 التغني بالقرآن.. تحذيرات أزهرية من ترفيه لا يليق بجلال كلام الله

الفرق بين تحسين الصوت والغناء بالقرآن

وعند سؤاله عن الفرق بين “تحسين الصوت” و”الغناء بالقرآن”، أوضح أن هناك فرقًا جوهريًا في الشريعة الإسلامية بين تحسين الصوت المشروع، الذي حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وبين الأداء الغنائي المبالغ فيه، الذي يحاكي ألحان المطربين، ويجعل التلاوة أقرب إلى المشهد الطربي. فالأول مطلوب ومحبوب بشرط الالتزام بالضوابط، أما الثاني فمرفوض شرعًا، لأنه يُفقد التلاوة معناها وروحها، ويفتح الباب أمام التهوين من مكانة القرآن في النفوس.

أما عن الحجة التي يرددها البعض بأن هذه الطريقة في التقديم قد تجذب الشباب وغير المسلمين للاستماع للقرآن، فقد رفضها الشيخ شلبي بشكل قاطع، مؤكدًا أن “الوسيلة المحرمة لا تبررها نية صالحة”، وأن الدعوة إلى الله لا تكون بالتفريط في قدسية الوحي، وشدد على أن التأثير الحقيقي في النفوس يأتي من صدق التلاوة وخشوع القارئ، لا من تزيين الأداء بما يوافق أذواق العصر.

الإحساس بهيبة القرآن

كما حذّر من أن هذا الاتجاه قد يُفقد الناس الإحساس بهيبة القرآن، ويجعلهم يتعاملون معه كأنه عرض صوتي ترفيهي، لا كتاب هداية وتشريع، وأوضح أن هذا النمط من التقديم يُضعف أثر القرآن في القلوب، خاصة بين الشباب، الذين قد يعتادون على التلاوة المغنّاة، فيفقدون معها الشعور بالخوف والخشوع عند سماعه.

ويرى الشيخ معاذ شلبي، أن على طلاب العلم، وخاصة في الأزهر الشريف، أن يكونوا في طليعة من يواجه هذه الممارسات، من خلال التوعية والتعليم والإنكار، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت ساحة رئيسية لتشكيل الوعي. لكنه أكد ضرورة أن يتم الإنكار بأسلوب علمي حكيم، يُعظّم القرآن ويدعو إلى توقيره دون إساءة أو مهاترات.

artworks-000233656545-msk33i-t500x500 التغني بالقرآن.. تحذيرات أزهرية من ترفيه لا يليق بجلال كلام الله

رسالة إلى من يحاول التلاعب بكلام الله

وفي ختام حديثه، وجّه فضيلته رسالة واضحة إلى من يحاول التلاعب بكلام الله تحت شعار “التطوير والتجديد”، مؤكدًا أن القرآن لا يحتاج إلى تغليف صوتي ليصل إلى القلوب، بل يحتاج إلى قلوب خاشعة ونفوس متأملة، ودعا الشباب إلى إعادة اكتشاف القرآن بروحه الأصلية، بعيدًا عن المظاهر الزائفة التي تُفقده نوره، مؤكدًا: “كلام الله لا يُقدَّم كما تُقدَّم الأغاني، بل يُتلى بخشوع، ويُستمع إليه بتأمل، ويُتدبَّر بقلب حيّ. فمن أراد بركة القرآن، فليأتِ إليه بقلبٍ سليم، لا بإيقاعٍ صاخب”

مشاركة علي

إرسال التعليق