حاوره أحمد طنطاوي
في زمن الانفتاح الثقافي والتغيّرات الاجتماعية المتسارعة، أصبحت بعض المفاهيم تتخذ أشكالًا جديدة تحت مسميات حديثة، في محاولةٍ لتطبيع ما يُخالف الفِطرة والدِّين، ومن بَين هذه المفاهيم مصطلح (المُساكنة)، الذي يُرَوِّج له البعض كحرية شخصية أو تجربة حياة قبل الزواج، لكن هل تُغيِّر الأسماء مِن حقيقة الأشياء؟ وما هو الحُكْم الشرعي مِن هذه الظاهرة؟ وما تأثيرها على الأخلاق والمجتمع؟
للإجابة على هذه التساؤلات كان لنا هذا الحوار مع الدكتور عبد القادر فاروق عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والقانون – جامعة خاتم المرسلين العالمية.
ما هو تعريف مفهوم “المساكنة”؟ وهل هو مصطلح حديث أم أنَّ له جذورًا تاريخية؟
المساكنة قديمًا كانت بمعنى أنْ يعيش رجل وامرأة في سكن مستقل ولكنَّ المرافق واحدة، وهذا مُحَرَّم، لأنه مظنة الخلوة المُحَرَّمة.
ونستدل على ذلك بما قاله العَلَّامة ابن حَجَر الهيتمي: “إذَا سَكَنَتْ الْمَرْأَةُ وَالْأَجْنَبِيُّ فِي حُجْرَتَيْنِ أَوْ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ أَوْ دَارٍ وَحُجْرَةٍ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَتَّحِدَا فِي مِرْفَقٍ كَمَطْبَخٍ أَوْ خَلَاءٍ (حَمَّام) أَوْ بِئْرٍ أَوْ مَمَرٍّ أَوْ سَطْحٍ أَوْ مِصْعَدٍ لَهُ ،فَإِنْ اتَّحَدَا فِي وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ حُرِّمَتْ الْمُسَاكَنَةُ ؛لِأَنَّهَا حِينَئذٍ مَظِنَّةٌ لِلْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ”.. (الفتاوى الفقهية الكبرى ،المُؤلِّف: أحمد بن مُحمد بن علي بن حجر الهيتمي ،4/106)
مِن الناحية الشرعية.. ما هو الحُكْم الفقهي للمساكنة بين الرجل والمرأة دون عَقد زواج؟
الحُكْم الفقهي للمساكنة بين الرجل والمرأة دون عَقد زوجي هو زنا وهو من كبائر الذنوب، ولا بد من عَقد شرعي بينهما صحيح.
ونستدل على ذلك ذلك بقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)}.. سورة المؤمنون، الآيات من :(5: 7).
ووجه الدلالة مِن الآية: قَوْلُهُ تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} أَيْ: يكفونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه.، والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا أو لواط، ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم، وما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج؛ ولهذا قال: {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} أَيْ: غَيْرَ الْأَزْوَاجِ وَالْإِمَاءِ، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} أَيِ: الْمُعْتَدُونَ، (تفسير القرآن العظيم، للحافظ ابن كثير 5/462،8/227، تفسير سورة المؤمنون ،وسورة المعارج)
وأنبه على أن مِلك اليمين غير موجود في واقعنا المعاصر، وزمننا الحالي، وتسمية الزنا بالمساكنة مثل تسمية الخمر بالمشروبات الروحية، فعَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، مشكاة المصابيح 2/1236
أي: يُطْلِقون عليها مُسمَّياتٍ أُخرى، ولقد ظهَرَ صِدقُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ فإنَّ أناسًا يَشرَبون الخمرَ ويُسمُّونها بغيرِ اسمِها؛ فبَعضُهم يُسمِّيها بالشَّرابِ الرُّوحيِّ، وما أشنَعَ هذا القولَ وأبطَلَه وأكذَبَه! فكيف يكونُ هذا الشَّرابُ المزيلُ للعقلِ المميتُ للقلبِ المبعِدُ عن الرَّبِّ، كيف يكونُ شرابًا رُوحيًّا؟! وما هو إلَّا شرابٌ خبيثٌ، يُفسِدُ العقلَ، ويُفسِدُ الدِّينَ، ويُفسِدُ الفِكرَ أيضًا…..وفي الحديثِ: عَلَمٌ مِنْ أعلامِ النُّبوَّةِ، حيثُ أخبَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بما يكونُ بعدَه، وَقَد وقَع ذلك كما أخبَر. … وفيه: وعيدٌ شديدٌ لِمَنْ يتَحيَّلُ في تَحليلِ ما يُحرَّمُ بتغييرِ اسْمِه، وأنَّ الحُكمَ يَدورُ مع العِلَّةِ وُجودًا وعدَمًا، والعلَّةُ في تحريمِ الخمرِ الإسكارُ (موقع الدرر السَنية).
يُبرر البعض المساكنة بكونها حرية شخصية بين شخصين بالغين، فكيف يستجيب الشرع لهذا الطرح؟
الإسلام العظيم جعل للحريات ضوابط شرعية ولا يوجد عندنا حريات مُطْلقة تُبيح الحرام، فقال الله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}سُورَةِ الْحِجْرِ ،الآية (3)
وقال ابن كثير: وَقَوْلُهُ: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} تَهْدِيدٌ لَهُمْ شَدِيدٌ، وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [سورة إِبْرَاهِيمَ: 30] وَقَوْلُهُ: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [سورة الْمُرْسَلَاتِ: 46] وَلِهَذَا قَالَ: {وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ} أَيْ: عَنِ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أَيْ: عَاقِبَةَ أَمْرِهِمْ.( تفسير القرآن العظيم4/526)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»صحيح مسلم 4/2272،المحقق:الشيخ : محمد فؤاد عبد الباقي
معناه أنَّ كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة مكلف بفعل الطاعات الشاقة فإذا مات استراح من هذا وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من المنغصات وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد.
والإسلام يرقى بالمسلمين ليعيشوا حياة كريمة بعيدة عن حياة الأنعام والبهائم، و جعل الإسلام قضاء الشهوة الغريزية تحت مظلة عقد شرعي، وهو الزواج الشرعي بأركانه ، وشروطه مثل ولي الزوجة، والزواج هو تاج الفضيلة والعفاف.
يقول البعض: نحن نعيش معًا دون زواج، ولكننا نحافظ على الحدود الأخلاقية، فهل لهذا أي تأثير على الحكم الشرعي؟
هذا من أكذب الكذب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ »صحيح ابن حبان.
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ »رواه البخاري. قال الحافظ ابن كثير : في تفسير قوله تعالى : {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً } سورة الإسراء( الآية 32)
يَقُولُ تَعَالَى ناهيا عباده عن الزنا وعن مقاربته ومخالطة أسبابه ودواعيه وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً أي: ذنبا عظيما وَساءَ سَبِيلًا أي: بئس طَرِيقًا وَمَسْلَكًا.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، وَقَالُوا: مًهْ مَهْ. فَقَالَ: “ادْنُهْ”. فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا فَقَالَ :اجْلِسْ”. فَجَلَسَ، قَالَ: “أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ ” قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: “وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ”. قَالَ: “أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ”؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: “وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ”، قَالَ: “أَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ”؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: “وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ”، قَالَ: “أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ”؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: “وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ” قَالَ: “أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ”؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: “وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ” قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ” قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ(مسند الإمام أحمد 36/545) (تفسير القرآن العظيم5/72) .
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» رواه البخاري ومسلم . وعَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَقُولُ: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ» رواه البخاري ومسلم
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ -رضي الله عنه -عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِى النِّسَاءِ ». وَفِى حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ « لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ». صحيح مسلم
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا}.
والنهي عن قُربانه أبلغ من النَّهْي عن مُجرد فعله لأنَّ ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فإن: “من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ” خصوصا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه. ووصف الله الزنى وقبحه بأنه {كَانَ فَاحِشَةً} أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد.
وقوله: {وَسَاءَ سَبِيلا} أي: بئس السبيل سبيل مَن تجرأ على هذا الذنب العظيم.)تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان صفحة 457، وقال تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا – يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا – إِلَّا مَنْ تَابَ} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 68 – 70] . قال ابن القيم:
فقرن الزنى بالشرك وقتل النفس، وجعل جزاء ذلك الخلود في العذاب المضاعف، ما لم يرفع العبد موجب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح، وقد قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: 32).
فأخبر عن فحشه في نفسه، وهو القبيح الذي قد تناهى قبحه حتى استقر فحشه في العقول حتى عند كثير من الحيوان، كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال: رأيت في الجاهلية قردا زنى بقردة، فاجتمع القرود عليهما فرجموهما حتى ماتا .ثم أخبر عن غايته بأنه” سَاءَ سَبِيلًا ” فإنه سبيل هلكة وبوار وافتقار في الدنيا، وعذاب وخزي ونكال في الآخرة (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء لابن القيم صفحة 151).
ما هي الآثار الاجتماعية والأخلاقية المحتملة جرَّاء انتشار المساكنة في المجتمعات الإسلامية؟
الآثار الاجتماعية والأخلاقية المحتملة جرَّاء انتشار المساكنة في المجتمعات الإسلامية: انتشار الزنى، والرذيلة، والفساد، واختلاط الأنساب، وقتل الفضيلة والعفاف،وانتشار الأمراض.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا» سنن ابن ماجه 2/1332، (لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ): أي الزنا.
هل وردت نصوص شرعية أو صدرت فتاوى معاصرة تناولت هذه الظاهرة بشكل مباشر؟ وكيف تعامل العلماء معها؟
صدرت فتاوى معاصرة بالتحريم ،جدد مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية، تأكيده على أن الدعوات البائسة إلى ما يسمى بـ«المساكنة» تنكر للدين والفطرة، وتزييف للحقائق، ومسخ للهوية، وتسمية للأشياء بغير مسمياتها، ودعوة صريحة إلى سلوكيات مشبوهة محرمة.، أحاط الإسلام علاقة الرجل والمرأة بمنظومة من التشريعات الراقية، وحصر العلاقة الكاملة بينهما في الزواج؛ كي يحفظ قيمها وقيم المجتمع، ويصون حقوقهما، وحقوق ما ينتج عن علاقتهما من أولاد، في شمول بديع لا نظير له.
ويحرم الإسلام العلاقات الجنسية غير المشروعة، ويحرم ما يوصل إليها، ويسميها باسمها «الزنا»، ومن صورها ،ما سمي بـ «المساكنة»، التي تدخل ضمن هذه العلاقات المحرمة في الإسلام، وفي سائر الكتب السماوية والشرائع.
فالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وإن غلفت مسمياتها بأغلفة منمقة مضللة للشباب، كتسمية الزنا بالمساكنة، والشذوذ بالمثلية .. إلخ؛ -بمنتهى الوضوح- علاقات محرمة على الرجل والمرأة تأبى قيمنا الدينية والأخلاقية الترويج لها في إطار همجي منحرف، يسحق معاني الفضيلة والكرامة، ويستجيب لغرائز وشهوات شاذة، دون قيد من أخلاق، أو ضابط من دين، أو وازع من ضمير.
الزنا كبيرة من كبائر الذنوب يعتدي مرتكبها على الدِّين والعِرض، وحق المجتمع في صيانة الأخلاق والقِيم، وهبوطٌ في مستنقع الشهوات، وقد سمَّاها الله تعالى فاحشة، وبَيَّن أنَّ عاقِبَتها وخيمة في الدنيا والآخرة، ساء سبيل مَن ارتكبها ولو بعد حين؛ قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}. (الإسراء:32)
ولا ينحصر تحريم هذه الكبيرة على المسلمين فقط؛ ففي الوصايا العشر: «لا تزن»، وعَقد النقاشات حول قَبول المساكنة على مرأى ومسمعٍ من النّاس طرح عبثي خطير، يستخفُّ بقِيم المجتمع وثقافته وهُوِيَّتِه، ولا يمتُّ للحرية من قريب أو بعيد، إلا حرية الانسلاخ من قِيم الفطرة وتعاليم الكتب السماوية .
وطرح دعوات صريحة توجه المجتمع نحو مماراسات منحرفة، وعرض المحظور في صورة المقبول، يحطم كثيرا من حصون الفضيلة في نفوس النشء والشباب، الذي هو حجر الزاوية في المجتمعات وركنها الركين، مما ينذر بخطر الاجتراء على حدود الله ومحارمه.
تقديم المساكنة للمجتمع في صورة بديل الزواج أو مقدمة له بزعم تعرف كلا الطرفين على الآخر؛ إمعان في إفساد منظومة الأسرة والمجتمع حقوقيا وأخلاقيا، ودينيا، واختزال لعلاقة الزواج الراقية بين الرجل والمرأة في متعة زائفة، واعتداء على كرامة المرأة، وإهدار لحقوق ما ينتج عن هذه العلاقة من أولاد، فالبدايات الفاسدة لا تثمر إلا الفاسد الخبيث.
الجرأة في طرح الجرائم اللا أخلاقية، والسعي لتطبيع هذا النوع من العلاقات الشاذة والمحرمة، من خلال خطط شيطانية ممنهجة، تعصف بقيم الفطرة النقية، وتستهدف هدم منظومة الأخلاق، ومسخ هوية الأفراد، وتعبث بأمن المجتمعات واستقرارها؛ هذه الجرأة جريمة مستنكرة ممن لا يقيمون وزنا لهدي السماء، وحكمة العقل، ونداءات الضمير.
يشد الأزهر الشريف على أيدي الآباء والأمهات، والمؤسسات الثقافية والتربوية والتعليمية، فيما يضطلعون به من أدوار تربوية نحو النشء تعزز قيم الآداب والفضائل الأخلاقية والدينية القويمة والراقية، وتحصنهم من الوقوع في مستنقعات الشهوة والرذيلة.
ويهيب الأزهر الشريف بأصحاب الرأي والفكر والإعلام أن يكونوا على حذر من استغلال منابرهم في الترويج لمثل هذه الدعوات الهابطة؛ عن عمد أو غير عمد؛ لنشر فتنة أو رذيلة تعبث باستقرار المجتمعات وأبنائها، وتروج للفواحش المنكرة، والأفكار الوافدة، التي تحاول النيل من ثوابت ديننا الحنيف، وقيم مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
انتشر في الآونة الأخيرة ما يطلق عليه زواج المساكنة وهو يقوم على علاقة زوجية كاملة من دون أي أوراق رسمية، حيث يعيش الطرفان في منزل واحد ويلتقيان في أوقات محددة، ويمكن بعدها أن يعود كل منهما ليبيت في منزل أهله. وغالبا ما يتم الاتفاق على عدم الإنجاب، ويبرر أنصار هذا النوع من العلاقات تصرفهم بأنهم يفعلون أمرا شرعيا شبيها بزواج ملك اليمين!
والجواب على هذه الشبهة أن مِلك اليمين ليس موجوداً الآن، وهذا من الزنا الواضح تحريمه، ومعنى كلمة حرام أنها تستوجب العقوبة، والعقوبة عند الله تعالى ليس هي إلا النار.
نظرًا للتطور الاجتماعي والانفتاح على الثقافات الأخرى، كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة بأسلوب دعوي حكيم دون تصادم مع الأجيال الشابة؟
مواجهة هذه الظاهرة، يكون بالتربية الصحيحة للأولاد والتنشئة الدينية على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الخوف من الله تعالى والتحلي بالأخلاق الطيبة والبعد عن الأخلاق السيئة والصحبة السيئة.
ما هو دور المؤسسات الدينية في توعية الشباب بمخاطر المساكنة؟ وهل يُسهم الإعلام بدور إيجابي أم سلبي في انتشار هذه الظاهرة؟
دور المؤسسات الدينية، هو صدار الفتاوى وعَقد الندوات والمؤتمرات للتوعية وخُطب الجمعة، والإعلام عنده قصور في التحذير من هذه الجرائم.
مِن وجهة نظر فضيلتكم، ما الحلول العملية التي يمكن تقديمها للشباب لتجنب الوقوع في هذه الظاهرة؟
الحلول العملية تتمثل في غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الأولاد، وتربية الأولاد على الفضيلة والأخلاق الكريمة، وحِفظ القرآن الكريم، والاهتمام بالصلاة وسائر أركان الإسلام.
أيضا الاهتمام بالصحبة الصالحة للأولاد، والتوعية الدينية في المساجد والمدارس والجامعات، والاهتمام بدور الأسرة في إصلاح الذرية، والدعاء بصلاح النية والذرية والعمل.
رسالة أخيرة من فضيلتكم للشباب بخصوص هذا الموضوع؛ ماذا تقول لهم؟
أنْ يكون الشاب حريصًا على ما ينفعه في أمر دينه ودنياه ،من العِلم النافع والعمل الصالح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ »سنن ابن ماجه
والحذر من شياطين الإنس والجن قال تعالى {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) } سورة النساء .
إضافة إلى الحذر من سموم وسائل الإعلام المختلفة .،والمواقع الإباحية والإجرامية ،وأخذ العِلم من أهل التخصص، فالمساكنة زنا، ليست مجرد تجربة حياتية كما يُروِّج البعض، بل هي انحراف عن القِيم الدينية والأخلاقية وتهديد لاستقرار المجتمع،و الإسلام لم يُحرم شيئًا إلا لحكمة، وعندما شدد على حرمة العلاقات خارج إطار الزواج، كان ذلك لحفظ الأنساب، وصيانة العفة، وحماية المجتمع من الفوضى الأخلاقية.
وعلى الشباب أن لا ينساقوا خلف دعوات زائفة تزين الباطل بعبارات براقة، بل عليهم التمسك بالقِيم التي تحفظ لهم كرامتهم وسعادتهم الحقيقية. والأسرة القائمة على الزواج الشرعي هي الأساس المتين لبناء مجتمع قوي ومستقر، وأي خروج عن هذا الإطار هو انحراف عن طريق الفطرة والدِّين.
مشاركة علي
إرسال التعليق