أحمد طنطاوي.. يكتب:
زمان، عندما كنا نتفرج على فيلم أبيض وأسود، كنا نشعر بأن الإحساس لا ينبع من جودة الصورة أو المؤثرات أو أي عنصر تكنولوجي، بل من صدق الحكاية وأداء الممثلين، كنا نرى المشهد ونتعايش معه وكأنه حقيقي، وكأنّ هذه الشخصيات قد تكون جيراننا أو أقاربنا أو حتى أنفسنا؛ إذ كانت السينما تتحدث بلغتنا، تروي قصتنا وتلامسنا من الداخل دون أن تزعج أو تستعرض.
واليوم، ورغم كل التقدم الذي حدث في التصوير والإخراج وجودة الصوت والصورة، ورغم أن السينما أصبحت مكيفة والكراسي مريحة والشاشات عملاقة، إلا أن الإحساس ذاته اختفى، بتنا نشاهد أفلامًا مليئة بالصراخ والأكشن، ومشاهد كثيرة تفتقر إلى المعنى أو الهدف؛ مجرد استعراض بلا روح. وكأن بعض صناع الفن قرروا أن وظيفتهم هي لفت الانتباه بأي طريقة، حتى لو كان ذلك على حساب المعنى أو عقل وذوق الجمهور. والمشكلة الأكبر أن الجمهور نفسه بدأ يعتاد على هذا النوع من المحتوى ويقبله كأنه الطبيعي.
أصبحنا نشتاق إلى المسرح الذي كان يجعلنا نضحك ونفكر معًا، وأصبحنا نبحث عن الأغنية التي نستطيع الاستماع إليها ونعيش معها من بدايتها حتى نهايتها دون الحاجة لتجاوز مقاطع كاملة لأن الكلمات لم تكن متناسقة أو مفهومة. فأصبحت مطالبنا تجاه الفنان تقتضي احترام نفسه وفنه وجمهوره، لا أن يكتفي بأن يكون ترينداً مهما كان ذلك على حساب القيم أو الذوق أو حتى الكرامة.
الفن الحقيقي لم يكن يومًا مجرد ترفيه؛ بل هو مرآة المجتمع وضميره، فهو الذي يوثق اللحظة، يطرح السؤال ويفتح باب التفكير، الفن هو الذي يرفع من شأن الإنسان بدلاً من استهلاكه، ويجعله يشعر ويتأمل ويحلم. وإذا فقدنا ذلك، فقدنا شيئاً أهم من مجرد التسلية؛ فقدنا هويتنا وإنسانيتنا.
يا ليت الفن يعود إلى هدفه الحقيقي؛ يعود ليكون رسالةً وضميراً وحلمة، لا مجرد وسيلة للربح أو لجذب الأنظار، يا ليت الفنان يعود ليرى نفسه مسؤولاً أمام الناس، لا مجرد صانع محتوى يتنافس على اللايكات والمشاهدات، يا ليت نعود لنشعر من جديد، ونجد أنفسنا في عمل فني صادق؛ نعود لنضحك ونبكي ونتأمل ونتذكر أن الفن لم يكن يوماً سلعة، بل كان دائماً روحاً، وهذه الروح يجب أن تبقى حية لكي نستطيع أن نعيش.
مشاركة علي
إرسال التعليق