«كابلز التيك توك».. بين صناعة الشهرة وتزييف الواقع

  • كتب: محمود فتحي

لم تعد الخصوصية جزءًا من حياة بعض الأزواج؛ إذ اختاروا طوعًا أن تتحول حياتهم إلى “Reality Show” يومي عبر منصات السوشيال ميديا، ليتابع الجمهور تفاصيلهم الدقيقة من لحظة الاستيقاظ حتى الخلافات الزوجية.

من “أم خالد وأبو خالد”، إلى الثنائي الأردني “سوزي وزوجها”، ومن مدوني الحياة اليومية إلى نجوم التيك توك، أصبح ما يُعرف إعلاميًا بـ”كابلز السوشيال ميديا” تريندًا عربيًا حاضرًا بقوة، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات أخلاقية وثقافية حول الحدود بين الشهرة والحياة الخاصة.

20241015_1728981933 «كابلز التيك توك».. بين صناعة الشهرة وتزييف الواقع

بداية ظاهرة الكابلز.. من البيت إلى البث المباشر

في عام 2024، تصاعدت ظاهرة ظهور الأزواج على السوشيال ميديا بشكل ملحوظ، خاصة عبر “تيك توك وفيسبوك ويوتيوب”، وتحولت العلاقة الزوجية – التي من المفترض أن تكون خاصة – إلى محتوى ترفيهي يعتمد على تصوير تفاصيل الحياة اليومية، التحديات، المفاجآت، وحتى الخلافات الحقيقية.

برزت خلال العامين الأخيرين نماذج لأزواج حوّلوا حياتهم اليومية إلى محتوى علني، ما جذب ملايين المشاهدات، لكنه في الوقت نفسه أثار نقاشًا واسعًا حول حدود الخصوصية والمحتوى المناسب.

“أم خالد وأبو خالد”.. ثنائي مصري اشتهر بمقاطع يومية توثق تفاصيل حياتهما العائلية، بدءًا من المواقف الطريفة وحتى الخلافات البسيطة، بأسلوب عفوي أحيانًا ومستفز في أحيان أخرى، وبينما حصد الثنائي قاعدة جماهيرية واسعة، تعرضا أيضًا لانتقادات حادة تتعلق بإقحام الحياة الزوجية في دائرة العرض العام.

“سوزي الأردنية ووالدها”.. شكل ظهور هذا الثنائي في بثوث مباشرة يتبادلان خلالها الاتهامات والخلافات أمام الجمهور، صدمة للكثيرين. وتحولت قصتهما إلى مادة ساخنة في الإعلام والمنصات، وسط تساؤلات عن تأثير مثل هذه المشاهد على المتابعين، خصوصًا صغار السن، وعن جدوى تعريض العلاقة لمزاج المتابعين وردود أفعالهم.

17471751105359202402160317591759 «كابلز التيك توك».. بين صناعة الشهرة وتزييف الواقع

شهرة على حساب الجوهر

انتشار “كابلز السوشيال ميديا” كشف عن سلسلة من الإشكاليات الاجتماعية والثقافية المرتبطة بتحويل الحياة الزوجية إلى مادة ترفيهية، ومن أهم الملاحظات:

تسليع العلاقة الزوجية.. في ظل سعي بعض الأزواج لجذب المتابعين، تحوّلت العلاقة العاطفية إلى منتج رقمي يُقدَّم وفق قواعد السوق، يخضع لمنطق “اللايكات” و”المشاهدات”، هذا النهج أفقد العلاقات جوهرها الإنساني، وقلّصها إلى مجرد استعراض يومي يُقيَّم من قبل جمهور غريب.

 تدخل الجمهور وضغط التفاعل، بات الجمهور طرفًا غير مباشر في العلاقات، من خلال تعليقات تتراوح بين التأييد والهجوم، وأحيانًا التحريض المباشر على الانفصال. هذا التدخل غير الصحي يُربك العلاقة، ويضع الطرفين تحت ضغط نفسي دائم قد يقود إلى الانهيار.

تزييف الواقع وصناعة التريند، في محاولة للاستمرار في دائرة الضوء، يلجأ بعض الأزواج إلى اختلاق مواقف درامية أو مشاجرات مفبركة لجذب الانتباه. هذه الصناعة المفتعلة لا تضلل فقط المتابعين، بل تُقدِّم نماذج مشوهة للعلاقات الزوجية، لا تعكس واقعًا حقيقيًا، ولا تُسهم في بناء وعي مجتمعي سليم.

microsoftteams-image_2 «كابلز التيك توك».. بين صناعة الشهرة وتزييف الواقع

آثار الظاهرة على المجتمع

تجاوزت ظاهرة “كابلز السوشيال ميديا” حدود الترفيه، لتترك تأثيرًا ملموسًا على بنية العلاقات الاجتماعية، وخاصة لدى الأجيال الشابة. من أبرز هذه الآثار:

تغييب النموذج الأسري المتوازن.. أصبح بعض المراهقين والشباب يقتدون بنماذج ظاهرها النجاح الرقمي، لكن جوهرها يفتقر إلى الاحترام المتبادل أو النضج العاطفي. ما يُقدَّم على أنه “نجاح زوجي” لا يعكس بالضرورة الاستقرار أو العمق الحقيقي للعلاقة.

 تآكل مفهوم الخصوصية.. النشر المستمر لتفاصيل الحياة اليومية، من المشاوير العائلية إلى الخلافات الزوجية، ساهم في تمييع الحدود بين العام والخاص. الأطفال والمراهقون الذين ينشأون على هذا النمط قد يفقدون إدراكهم لأهمية الخصوصية وصحة العلاقات الشخصية.

تشجيع علاقات غير ناضجة.. بدافع التفاعل والمكاسب، يندفع بعض الشباب نحو إعلان علاقات عاطفية أو زواج مبكر أمام الكاميرا، دون تأسيس فعلي أو وعي بمسؤوليات العلاقة، ما يؤدي لاحقًا إلى علاقات هشّة، تنهار مع أول اختبار حقيقي.

خاتمة-عن-الأسرة-المسلمة «كابلز التيك توك».. بين صناعة الشهرة وتزييف الواقع

بين التعبير والانحدار

رغم أن السوشيال ميديا منحت بعض الأزواج فرصًا للتعبير وكسب جمهور، فإن الإفراط في تسويق الحياة الشخصية حول العلاقة إلى عرض يومي، يختزل القيم في مشاهد لحظية.

وبينما يظل التعبير الرقمي أحد أشكال التفاعل الحديثة، فإن فقدان البوصلة الأخلاقية والمعيارية قد يُفرغ العلاقات من معناها الحقيقي، والسؤال الأهم: هل نحتاج إلى إعادة التفكير في شكل علاقتنا بالجمهور… أم في شكل علاقتنا بأنفسنا؟

 

مشاركة علي

إرسال التعليق